التحديات الحضارية ومستقبل نهضة العالم الاسلامي

لقد راود الكثير من المفكرين و المصلحين أسئلة مصيرية حول حال المسلمين منذ زمن طويل. لعل أبرزها لماذا تاخر المسلمون و لماذا تقدم غيرهم ؟ و ما هي أنجع السبل لاستعادة المكانة الحضارية للعالم الاسلامي؟!

معضلة العالم الاسلامي
معضلة العالم الاسلامي!

أسباب تخلف المسلمين وحلول النهضة في العالم الإسلامي

        الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله. اما بعد:

في ظل التحديات الحضارية الحالية و العولمة التي لا تعترف بالحدود. ألف الكثير عن هذا الموضوع. على غرار رواد النهضة الاسلامية من الجيل الأول مثل الأمير شكيب ارسلان ومالك بن نبي رحمهما الله.     

        قبل الخوض في هذا البحث ، ارجوا من القارئ الكريم أن يتفهم تفصيلي العميق في  عدة مواضع لهذا الموضوع. إذ ان التشخيص الصحيح للمرض هو من اهم أسباب الشفاء. لأن الدراسة السطحية لا تسمح بمنح العلاج الناجع لأنها لم تكشف الأسباب الحقيقية للمرض.

 الخلفية التاريخية:

ان المتتبع لتاريخ المسلمين يلاحظ مرور الأمة بفترات قوة قصيرة و فترات طويلة من الضعف باستثناء القرون الثلاثة الأولى لفجر الإسلام المزدهرة,(هذا الضعف ينحصر في أقطار دون باقي الوطن الإسلامي الشاسع المزدهرة).

 . يقول رسول الله ﷺ  بمعناه أن الأمة تبدأ بالنبوة ثم بالخلافة الراشدة ثم ملكا عاضا وراثيا، ثم حكما جبريا  ثم تعود الى منهج النبوة ثم سكت (رواه أحمد و البزار ،و صححه الألباني).

في ظل هذا الحديث يمكن تمييز خمسة مراحل تاريخية منذ النبوة إلى قيام الساعة:

1) مرحلة النبوة:

 الفترة المكية ثم المدنية و هي مرحلة التأسيس.

2)مرحلة الخلافة الراشدة:

 الخلافة الراشدة فترة حكم الخلفاء الراشدون المزدهرة ، التي دامت أربعون سنة، و شهدت فتوحات و توسع الدولة خاصة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

3)مرحلة الملك العاض الوراثي: (50 ه إلى 658 ه )الدولة الأموية ثم العباسية

 عهد الدولة الأموية و العباسية أطول مرحلة ، شهدت ازدهار في بداياتها أثناء القرون الثلاثة الأولى التي ذكرت في الحديث الصحيح” خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم” . حيث بلغت اوج عظمتها في عهد الخليفة هارون الرشيد. 

ثم أخذت مظاهر الترف العلمي منذ عهد الخلفاء المؤمون و الأمين (التفلسف الإغريقي الخطير في أصول الدين).

ثم بدأ ضعف الدولة الإسلامية منذ القرن الرابع الهجري،مع ظهور الشيعة و الطوائف الضالة. و رغم محاولات الإصلاح التي سجلها التاريخ للكثير من العظماء و المصلحين كالسلطان صلاح الدين الأيوبي (القرن السادس) بالمشرق. و أمير المرابطين يوسف بن تاشفين (القرن الخامس) بالمغرب.

إلا ان الضعف استمر إلى قيام الدولة العثمانية القوية في البداية حيث فتحت القسطنطينية 857ه  كما بشر بها النبي عليه السلام و لكن سقطت في نفس الفترة غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس.

4) الحكم الجبري:

اختلف العلماء حول بداية هذه الفترة و هل نحن في نهايتها أم لا ؟

و الذي يظهر لي من خلال دراسة التاريخ الإسلامي: أن هذه المرحلة بدأت منذ خمسة قرون أي منذ نهاية القرن السابع عشر الميلادي تاريخ بداية ضعف الدولة العثمانية.

ثم صعود الحضارة الغربية إثر حركات التنوير في أوروبا و الثورة الصناعية في بريطانيا، و يظهر الحكم الجبري القهري جليا بوضوح منذ سقوط الخلافة العثمانية 1926.

5) عودة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة:

منذ سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي ظهرت مظاهر التدين. و منذ بداية الألفية الثالثة نضجت الصحوة و تميزت بالطابع العلمي السلمي رغم ما قيل فيها من نقائص و مقاومة الأنظمة العلمانية.

هناك العديد من الدعاة و شيوخ الإسلام يرجحون اننا في مرحلة التصفية و التربية التي تسبق ظهور الإمام المهدي و عودة الخلافة الراشدة. كما بشرنا بها رسول الله عليه السلام. و بداية ارهاصات ظهور الطائفة المنصورة بالشام.

و تبقى تفاصيل هده المسألة من الغيب الذي استأثر الله بعلمه و لا يمكنني الجزم فيها. 

أبرز محطات تاريخ النهضة الإسلامية المعاصرة

الحركات الإصلاحية بداية القرن العشرين


  • ظهرت جهود رواد الإصلاح مثل محمد عبده، جمال الدين الأفغاني ورشيد رضا، حيث ركزوا على تجديد الفكر الإسلامي، مواجهة الاستعمار، والدعوة للعودة إلى القرآن والسنة بروح عصرية.
  • فتمخضت عنها استقلال كل دول العالم الاسلامي باستثناء فلسطين.
  • مرحلة السلفية العلمية (السبعينات والثمانينات)
    شهد العالم الإسلامي انتشار المدارس السلفية العلمية التي ركزت على العقيدة الصحيحة، التعليم القرآني و الشرعي، ونشر كتب التفسير والحديث.
  • مع بروز مراكز علمية في السعودية ودول أخرى أثرت في أجيال واسعة.
  • مرحلة الألفية الثالثة حتى اليوم

  • تميزت هذه المرحلة بأحداث كبرى مثل الربيع العربي، وصعود حركات إسلامية متشددة(مخالفة للسنة النبوية)، إلى جانب أزمات الغرب الاقتصادية وتراجع القوة الأمريكية والأوروبية.
  • مما أتاح نقاشًا جديدًا حول موقع العالم الإسلامي في النظام الدولي.

مكامن القوة و الضعف للصحوة المعاصرة

رغم ظهور و انتشار التدين بنسبة كبيرة منذ نهاية القرن العشرين في المجتمعات الإسلامية و حتى في بعض الدول الغربية، إلا ان الصحوة لم تسفر عن عودة الخلافة الاسلامية الى اليوم، و السبب الرئيسي لذلك حسب رأيي و رأي كبار شيوخ الاسلام راجع:

  1.  التحزب و انتشار حركات الاسلام السياسي، و اختلاف الطرق و المذاهب المخالفة للسنة المطهرة. مما زاد في تفرق العالم الاسلامي و التأخر.
  2. تهميش نخبة العلماء و المصلحين من قبل الحكام تأثرا بالمخططات الماسونية الخارجية.
  • و رغم ذلك لا ننكر النجاح النسبي على مستوى القاعدة الشعبية و الأفراد، بتحولها من الاسلام السطحي التقليدي الى الاسلام الحق بوسطية و اعتدال. خصوصا مع بداية الالفية الثالثة.
  • و يخطئ بعض الدعاة (رغم احترامي لهم) اننا على أعتاب فتنة الدهيماء و اشراط الساعة الكبرى التي لن تظهر إلا بعد ظهور المهدي و عودة الخلافة الاسلامية بالشام. كما اخبر الصادق المصدوق محمد ﷺ.

و لا يكون ذلك إلا و المسلمون في حالة قوة و ليس في حالة التشرم و الضعف الحالية. لكن لا أنكر  ظهور ارهاصات ممهدة لعودة الخلافة ان شاء الله.

الخلافة الإسلامية خلال الدولة الأموية و العباسية.

و يشهد له حديث آخر رواه احمد و غيره (صححه الحاكم و الذهبي .

حديث فتنة الدهيماء!

و كذلك الألباني رحمه الله) حول فتنة الأحلاس و السراء  ثم الدهيماء ، يقول رسول الله ﷺ  :كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرَ الْفِتَنَ فَأَكْثَرَ فِي ذِكْرِهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ قَالَ هِيَ هَرَبٌ وَحَرْبٌ ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ.

ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً فَإِذَا قِيلَ انْقَضَتْ تَمَادَتْ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ فَإِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ غَدِهِ.

نسأل الله العفو العافية.

أسباب تخلف المسلمين و طرق العلاج:

انحراف  المسلمين عن النهج الذي تركهم عليه الرسول ﷺ ؛النهج الوسطي المعتدل  في جميع المجالات قال الله تعالى  في سورة البقرة ‎‎”و كذلك جعلناكم أمة وسطا”.

و قال تعالى “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول  و أولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تومنون بالله و اليوم الآخر ذلك خير و احسن تأويلا “-النساء-

 و قال الرسول ﷺ “…عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي…و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار ” .صحيح ، و ظل هذا الوضع رغم مجهودات السلاطين العثمانيين .

أ) الأسباب العلمية: الاختلاف المذهبي

من اعظم أسباب ضعف المسلمين منذ القرن الرابع الهجري، هو اختلافهم المذهبي. و غلو و تعصب الفرق الضالة لشيوخها.

من اخطر الفرق الضالة الشيعة الرافضة، و المعتزلة و الصوفية.

إن الذي لا يقبل النقد ابدا هي أصول التوحيد و العقيدة و الأخلاق و أصول الدين. التي اجمع عليها علماء الإسلام خاصة السلف أما المسائل الخلافية  فلا يمكن أن نفرض فيها رأي معين على الآخر.

قال الله عز وجل :” وما أمروا إلا لعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة و ذلك دين القيمة” (البينة:05).

هذه اسباب مختصرة للتراجع الحضاري للمسلمين. لمعرفة التحليل العميق و الحلول، تفضل بشراء كتاب تاريخ المسلمين بين المجد و الإنحطاط هنا.

الأسباب السياسية: الداخلية و الخارجية

يحضرني هنا قول عمر  رضي الله عنه : نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمتى ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله. 

داخليا: لقد حذر نبينا ﷺ من الغلو (المبالغة) في الدين . غلو  التطرق السياسي: “الخوارج قديما”. الذين خرجوا على خلفاء الدولة الاموية و العباسية. و فاقموا تفرق الخلافة الاسلامية. كالدولة الرستمية بالمغرب..

خارجيا: تكالب الدول الصليبية والمغولية على المسلمين، ثم الاستعمار الحديث منذ بداية الثورة الصناعية في اوروبا بنهاية القرن السابع عشر.

جاء في مؤلفات مالك بن نبي (أحد الأعلام المجددين) رحمه الله:

 مفهوم القابلية للاستعمار … نحن العرب ركزنا على مكافحة الاحتلال مباشرة (عسكريا) و غفلنا على مكافحته فكريا نظرا للضعف الحضاري للدول العربية…انتهى كلامه

إن المواجهة العسكرية التقليدية مكلفة و تجاوزها الزمن.

فقد لجأت القوى العالمية منذ عقود خاصة الماسونية و المراكز الاستراتيجية الغربية إلى الهيمنة الفكرية و الإستخباراتية  (الغزو الفكري و التكنولوجي و هو الأخطر).

خصوصا مع تطور الوسائل  الرقمية العصرية مثل أقمار الجوسسة و طائرات “درون” و الذكاء الاصطناعي، و اختراق أنظمة معلومات الدولة عبر الهجمات السيبرانية، و زرع الرقائق الإلكترونية للجوسسة!

مبشرات نبوية لمستقبل العالم الاسلامي: 

  • قال الرسول ﷺ بمعنى أن الله يبعث للأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها (صحيح ،صححه الحاكم و ابن حجر).

من بين المجددين الذين بشر بهم رسول الله ﷺ في الحديث السابق : الكثير. من هؤلاء المجددين المحدث الألباني رحمه الله. و من تلاميذه الأشقر رحمه الله.

  • الحديث المتواتر عن ظهور المهدي في آخر الزمان.
  • حديث عودة الخلافة الراشدة المذكور اعلاه.

اشتري كتاب تاريخ المسلمين بين المجد و الإنحطاط pdf

لمزيد من التفصيل

الخاتمة:

    لقد أنزل الله رسالته و تكفل بحفظها عبر العلماء ورثة الأنبياء عليهم السلام في كل زمان و مكان الى قيام الساعة ،وعصرنا يعتبر حلقة من حلقات تاريخ الأمة في صراعها الداخلي و الخارجي. (انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون) الحجر:9

 أتباع المنهج المعتدل و إن لم يتمكنوا بعد من إقامة الدولة الإسلامية سياسيا ،فقد حققوا إنجازات معتبرة في المجالات التربوية و الدعوية و حتى الاقتصادية و التقنية…

فهؤلاء المصلحون أحرار لا ينتمون لأي جماعة سياسية او دينية، ولاؤهم الوحيد للكتاب و السنة. و بعضهم إطارات عادية في الدولة.

أرجوا الله أن أكون من أحد رجال الرسالة الإسلامية الخالدة بأعمالي المتواضعة على هدي النبي صلى الله عليه و سلم لإسعاد عائلتي و المجتمع لنيل رضا الله. قال تعالى “و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز”(الحج).

        و الله اعلم.

انشر المحتوى الهادف

موضوعات ذات صلة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *