تاريخ المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

لقد راودني أثناء زياراتي للمدن الساحلية الجزائرية إحساس عميق بعظمة هذه الحواضر المحتضنة للبحرية الجزائرية عبر التاريخ، مثل سواحل الجزائر العاصمة أثناء دراستي الجامعية و شرشال و وهران…

 و كأن هذا البحر و أمواجه الملاطمة للآثار و الحصون يحدث انه مر من هنا حضارات أبطالها خلفوا بصمتهم في التاريخ من فتوحات موسى بن نصير وطارق بن زياد الأوائل إلى رياس البحر في ظل الدولة العثمانية و غيرهم.

البحرية الجزائرية

 

تاريخ الملاحة

على مر العصور تنبه زعماء الحضارات العابرة أنه من يسيطر على البحرية و الملاحة في البحر الأبيض المتوسط هو من تخضع له البلاد المتاخمة لهذا البحر . كان هذا البحر لقرون عديده (منذ قبل الميلاد) تابع للفينيقيين ( الفينيقيون: من اقدم من استوطن شمال افريقيا).
 و بحكم اصلهم الكنعاني ( سواحل لبنان حاليا) لا يمكن ان نعتبرهم غزاة محتلين كالرومان ، بل يتميزون عن الرومان بميلهم للميادين التجارية و الحضارية السلمية و ليس العسكرية الا في حالات الدفاع عن النفس.
عاصمتهم قرطاج الشهيرة بتونس. و لا تزال الكثير من معالهم الأثرية في عدة مدن  جزائرية ساحلية كتيبازة و شرشال و عنابة…
ثم الإمبراطورية الرومانية و الوندالية فالبيزنطية حتى سمي ببحر الروم و لا تزال آثارهم الى الآن ، و مع ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي وضع خلفاء الرسول صلى الله عليه و سلم حد لسيطرة الروم  و ظلمهم على هذا البحر و صار بحيرة إسلامية ، خاصة بعد معركة ذات الصواري في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة  35ه 655م بزعامة عبد الله بن سعد بن ابي سرح والي مصر و انتهت بنصر المسلمين. 

و حتى لا نطيل الحديث على القارئ  أعود إلى عصرنا الحديث ، فبعد فتح بلاد المغرب ثم الأندلس (92 ه) مرت هذه البلاد بعدة دول إسلامية نذكر على سبيل المثال لا الحصر الدولة الأغلبية التي فتح أحد زعماءها ( أسد بن الفرات) جزيرة صقلية بإيطاليا  سنة 210 ه ، ثم باقي الدول وصولا إلى عصر رياس البحر التابعين لسلطان الباب العالي بإسطنبول  العثماني الذين أنقضوا سواحل المغرب من هجمات الإسبان بعد سقوط الأندلس 897 ه 1492 م.

الأسطول البحري الجزائري و رياس البحر:

كما سلف و أن ذكرنا فقد أصبح سكان الجزائر يولون الطاعة لداي الجزائر الموالي بدوره لسلطان الدولة العثمانية، و هذا منذ بداية القرن العاشر الهجري و السادس عشر الميلادي بعد ان استنجدوا بالأخوين خير الدين بربروسا و أخيه . فوضعا حد لأطماع النصارى الإسبان للإستيلاء على مدن الجزائر و دول المغرب ، خاصة بعد معركة بروزة يوم 04 جمادى الأولى 945 ه 1538 م الحاسمة في عرض البحر التي هزموا فيها أسطول 600 سفينة.

كما أجلى خير الدين باربروس 600 مسلم من الأندلس  إلى الجزائر عام 1529 م ، بعد سقوط غرناطة.و هكذا ظل الحوض الغربي للبحر المتوسط خاضع لداي الجزائر لأكثر من ثلاث قرون منذ ان انشئ الأسطول سنة 1518 م، شهد خلالها معارك ضارية بين الأسطول الجزائري المسلم و أساطيل الدول الصليبية الأوروبية ،من أشهرها حملة “شارلكان” الذي كان ملك على اسبانيا و ايطاليا و كثير من الأقاليم الأوروبية سنة 1541 م، هذه الحملة التي بائت بالفشل و عادوا خائبين. ثم تحول الصراع بين أسطول الجزائر( المدعوم من الدولة العثمانية) و أساطيل دول ناشئة جديدة هي إنجلترا و إيسلندا و غيرها شمالا، في القرن السابع عشر،

و واجه أسطول هذه الدول نفس المصير بعد صد أسطول الجزائر للحملة الإنجليزية الهولندية سنة 1618 م بل وصل الأسطول الجزائري إلى سواحل أيسلندا و إنجلترا بعد ان عبر مضيق جبل طارق و هاجمها و عاد غانما سالما سنة 1627 م بفضل الله ثم شجاعة و إيمان رياس البحر و جنودهم مثل القائد العلج علي “من اصول إيطاليه”و غيره. و بعد ان أنشئوا نوع من السفن المستديرة التى تصل الى أعالي البحار مثل سفينة “هول البحر ” و “طريق الخلاص”.

الإحتلال الفرنسي و موقعة نافارين :

متى كان الحصار البحري على الجزائر ؟

و مع بداية القرن التاسع عشر و بعد انكسار الأسطول الجزائري و العثماني بجزر اليونان “نافارين” سنة 1827  م  حاصر الجيش الفرنسي مدينة الجزائر لثلاث سنوات ، و سنة 1830 أحتلت  العاصمة الجزائر ،

كيف و لماذا حدث هذا ؟لعدة أسباب من أهمها هو ظهور مظاهر الشرك و العقائد الخرافية و الجهل.و إهمال العمل .هذا الذي غفل عنه المؤرخون في مناهج التعليم حاليا. لمزيد من التفصيل راجع نص الأندلس

و بعد هذا التاريخ شهدت الجزائر ثورات شعبية  أبرزها ثورة الأمير عبد القادر بالغرب و الوسط الجزائري و رغم أن هذه المقاومه كبد  بها العدو خسائر كبيره إلا أنها لم تتوج بإستقلال البلاد لأنها بإختصار ذات طابع عشائري ضيق و مذهب صوفي مخالف للسنة ، و لم تنل الجزائر حريتها إلا سنة  1962 بعدة ثورة عامة دامت سبع سنوات .

القوات البحرية الجزائرية

سفينة قلعة بني عباس الجزائرية 2014 (wikipedia)

و اليوم وبعد سبعة و خمسين سنة من نيل الجزائر لحريتها أعاد الجيش الوطني الشعبي بناء قوة بحرية إقليمية (بقواعدها الثلاث الجزائر -عنابة- مرسى ) على ساحل يبلغ طوله 1624 كلم .و قريب من أبرز مضايق البحر المتوسط “مضيق جبل طارق”.فمنذ الإستقلال طورت الجزائر أسطولها البحري بالتعاون خاصة مع روسيا(إ سوفيتي سابقا)،و بالإتجاه نحو التصنيع الذاتي خاصة بقاعده مرسى الكبير بوهران،حيث تم تصنيع طرادات “جبل شنوة 1 ،2 و 3”.

تطور الأكاديمية البحرية

و يمكن ان نقول أن سنة 2006 م شهدت نقله نوعية في تحديث الأسطول عبر اقتناء و تحديث القطع البحرية، مثل  تحديث و جلب غواصتين جديدتين “كيلو 638 “الروسية سنة 2011 مع تحديث الغواصتين كيلو 877 القديمة،و بإبرام صفقه ب 700  مليون دولار لجلب طرادات “تايغر” الروسية ، و في نفس السنة  جلبت أكبر سفينة  و هي قلعة بني عباس تحمل ثلاث مروحيات من إيطاليا التي تعتبر الثانية من نوعها في البحر المتوسط بعد حاملة الطائرات الفرنسية.

ثم سنة 2012 تم جلب 2 فرقاطة “ميكو 200″الألمانية ب  2.17 مليار دولار و تصنيع 2 أخريين بالجزائر .و أخيرا بإبرام شراكه مع الصين حصلت الجزائر سنة 2015 م على سفينة “الغراب الفاتح” و عدة طرادات.

ليصل عدد القطع البحرية الجزائرية لأكثر من 80 قطعة ليصبح الأسطول الجزائري الأكبر إفريقيا بعد مصر، مما أقلق الموساد الإسرائيلي.و تحتل البحرية الجزائرية  المرتبة الثانية بعد مصر ثم تلى الجزائر السعودية  في ترتيب أقوى سلاح البحرية للدول العربية المسلمة .للعلم فإن أحدث تقرير لترتيب الجيوش العربية عام 2019 يضع مصر في المرتبة الأولى عربيا و 12 عالميا ثم السعودية الثانية عربيا و 24 عالميا ، ثم تليها الجزائر الثالثة عربيا و 25 عالميا.

أما تركيا فهي 09 عالميا ،وإسرائيل 16 عالميا.و تجدر الإشارة هنا إلى ان البحرية الجزائرية لا تستطيع أن تكون فاعلة إلا إذا اتحدت مع بحرية الدول العربية المسلمة المجاورة خاصة مصر و غيرها ، في هذا العالم الذي يشهد تكتلات (مثل الاتحاد الأوروبي و غيره) لا يؤمن إلا بالأقوياء.

المصادر:

أبو القاسم سعد الله أبحاث و آراء في تاريخ الجزائر 1981 م.

علي خلاصي: البحرية الجزائرية.

موسوعة ويكيبيديا.

الموقع الرسمي لوزارة الدفاع الجزائرية.زيارة الفريق أحمد قايد صالح لقياده القوات البحرية 26 يونيو 2017.

تمت بحمد الله

انشر المحتوى الهادف

موضوعات ذات صلة