مقدمة
إن الإعتقاد بأن الحضارات القديمة (بما فيها ما قبل التاريخ) بدائية و متخلفة وأن حضارة العصر هي أعلى سلم تطور الانسان العلمي. ثبت خطئه خاصة بعد الاكتشافات الأثرية في العقود الأخيرة و ابرزها معضلة الأهرامات بمصر التي لم يفصل في كشف أسرارها العلماء و الأثريون بشكل مؤكد إلى الآن!
ماذا عثر تحت الأهرامات بالجيزة؟
قبل الخوض في بحثنا و للأمانة العلمية يجب ان أوضح بعض الأساسيات :
_ الموضوعية في التحقيق حول الفرضيات الأقرب إلى الصواب بناءا على الأدلة العلمية القوية و الشواهد الحقيقية، و لن اتعرض إلى الفرضيات الضعيفة التي تفتقر الى الأدلة الواضحة كالأفكار المروجة في الثقافة الشعبية أو في وسائل التواصل الاجتماعي إلا القوية منها.
تقنية الليدار LDAR:
في السنين الأخيرة ظهرت تكنولوجيا متطورة للاستشعار و الرصد تحت الأرض، مكنت العلماء من اكتشاف العديد من أسرار الحضارات القديمة.ابرزها تقنية الليدار و هي باختصار تشبه الرادار و لكن عبر اشعة الليزر مما يعطيها اكثر دقة. و قد اكتشف بها عدة آثار لموقع حضارة المايا بأمريكا الجنوبية.
معضلة الأهرامات!
ما يميز أهرامات الجيزة بمصر، و جعلها معضلة علماء الآثار هي الأسئلة و الألغاز التي لم تجد الإجابات الشافية الكافية إلى الآن: كيف تم بناء أهرامات الجيزة و متى؟ و أعظم من ذلك: لماذا؟ و ذلك للأسباب التالية:
- لم يعثر على أي مومياء للملك أو غيره داخل توابيت أهرامات الجيزة!
- لا تحتوى جدران الهرم الأكبر و لا الهرمين الآخريين على أي رسوم جنائزية أو كتابات هيروغليفية تدل على استخدام الهرم كمقبرة. بخلاف آثار وادي الملوك جنوبا.
- حجم الحجارة الضخم المستخدم في بناء الهرم، يصل بعضها في الغرف الداخلية إلى أكثر من 80 طن! فكيف تم رفعها؟
- الدقة المتناهية في حواف و زوايا توابيت السرابيوم حيث ذهب العديد من العلماء مثل كريستوفر دن إلى حتمية استخدام تكنولوجيا غامضة.
نبذة تاريخية
سأحاول بحول الله عرض اشهر و اقوى النظريات المطروحة بأدلتها و ما جاء في نقدها ثم ارجح في الأخير اقربها للصواب.
لا شك أن بداية التحضر كان في العراق و مصر. و ليس في الحضارة اليونانية كما كان يعتقد سابقا، خاصة بعد الاكتشافات الأخيرة التي ترجح ظهور جذور حضارة وادي النيل بحوالي من 5 آلاف إلى 30 الف سنة قبل الميلاد.
إلا أن قمة قوتها و ازدهارها بدأ مع الأسرة الثالثة 2700 ق.م إلى الأسرة السادسة : مرحلة بناة الأهرامات.
ثم عصر الدولة الوسطى و أوجها في الأسرة الثانية عشر و الثالثة عشر، ثم اضمحلت،وأخيرا عصر الدولة الثالثة (من حوالي 1550- 1086 قبل الميلاد)التي بلغت أوجها في الأسرة الثامنة عشر حيث يحتمل ان نبي الله موسى(ص) عايش نهايتها (1295 ق.م) حسب الرواية التوراتية.ثم إلى الأسرة العشرين قبل الضعف.

* في عام 2017 تم الكشف عن باب سري في هرم خوفوا الذي (يصل طوله حاليا 137 متر) تم اكتشافه عام 1995،من طرف فريق ألماني عبر روبوت مجهز بكاميرا متطورة، ثم تم منعهم من مواصلة البحث لأنهم قاموا بنشر الإكتشاف دون إذن السلطات المصرية. كما تم اكتشاف حاليا 2023 ممر سري آخر بالهرم الأكبر بعد ثمانية سنوات من البحث.
قال الله عز و جل :(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) القصص 38.
إن من اكثر الألغاز المحيرة للعلماء هو كيف تمكن المصريون قبل آلاف الأعوام بأدوات بسيطة ، و لا يملكون لا آلات رافعة حديثة و لا التكنلوجيا الحالية من نحت و نقل حجارة ضخمة تزن الأطنان ليبنوا بها أروع و أعلى بناء منذ آلاف السنين (اكثر من ألفين سنة ق .م).
و هي الأهرامات التي تصعب أو تعجز حتى أمهر مهندسي العصر المجهزين بالتكنولوجيا الحالية‼.
ثم أين قصور و مساكن الفراعنة لما كانوا يتولون حكم مصر أحياء، فهل يعقل أن يسكن هؤلاء الملوك الجبابرة في مساكن وضيعة من الطين ثم بعد وفاتهم يشيد لهم أهرامات!
من بنى الأهرامات و ما عمرها الحقيقي؟ (التاريخ المجهول)
ظهر فريق من الباحثين(المتدينين) كالدكتور سمير عطا* يرجح أن قوم عاد التي انقرضت منذ 11 ألف سنة ق.م ،أو بعض أقوام ما قبل التاريخ العمالقة قاموا ببنائها ثم جاء قدماء المصريين بعدهم بقرون رمموها فقط(كما تشير الآية السابقة) و سكنوا فيها.
واستشهدوا ببعض آيات القرآن الكريم: كقوله تعالى: (و سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم). وهذا ممكن لحد بعيد بالنظر إلى صعوبة تقبل أن قدماء المصريين قبل أربعة آلاف سنة بأحجام عادية يقوموا برفع أحجار تزن أكثر من 2 طن من اسوان إلى الجيزة و بدقة متناهية!
ومعلوم أن قوم عاد عمالقة و مشهورون بدليل القرآن بنحتهم للجبال و قصورهم الضخمة، رغم أن بعض الخبراء رد على هذه النظرية بكون أن الريح التي دمرتهم لم تترك أي شئ، و الله أعلم.
* الدكتور سمير عطا باحث مصري مهتم بالإعجاز العلمي في القرآن و السنة و اصدر ابحاث مفصلة من ألمانيا ومصر منذ تسعينيات القرن الماضي حول تاريخ الحضارة المصرية القديمة و الأهرامات و صاحب كتاب “الفراعنة لصوص الحضارة” عام 1996.
ما العمر الحقيقي لأهرامات الجيزة؟
تراود العلماء و المؤرخين شكوك حول العمر الحقيقي لحضارة وادي النيل، حيث يرجح البعض انها تمتد الى اكثر من خمسة عشر قرن قبل الميلاد و قد تصل الى ثلاثين الف سنة ق.م و ليس ثلاثة آلاف سنة ق.م كما هو سائد الآن. و ذلك لوجود قرائن و دلائل تشير الى حضارات ما قبل التاريخ الغامضة بعد طوفان نوح عليه السلام و قبله، على غرار عاد الاولى و قوم العماليق و ثمود المذكورة صراحة في القرآن الكريم.
كيف بنى المصريون القدماء الأهرامات؟
النظرية التقليدية:
هناك عدة نظريات تفسر كيفية بناء الأهرامات معظمها غير معقولة ، منها نظرية ضعيفة غير منطقية رغم رواجها منذ اكثر من قرن في اوساط الأثريين و المؤرخين، الذين يزعمون استخدام العمال المصريين للحبال و الإزميل (أداة برونزية بسيطة)،
.webp)
و قواهم العضلية لجر الحجارة إلى محل الهرم ،و هذا يكاد يستحيل إذ ان بقايا المصريين الأوائل (الهياكل العظمية)لا تختلف كثيرا عن حجم الإنسان المعاصر.
و قد ذهب احد علماء الآثار الى ترجيح طريقة وضع طرق صاعدة من الدبش و الطين ملتفة حول الهرم ، ثم تزال من الأعلى الى الأسفل.
كما يرجح علماء المصريات كالدكتور زاهي حواس نظرية نحت الهضبة أي تم اكتشاف مؤخرا أن قاعدة الهرم هي جزء من هضبة وقام المصريون بنحتها فقط ثم بنو فوقها بقية الهرم بنقلهم الحجارة بقوارب عبر النيل، مثل الهرم المدرج .
و استدلوا بمقبرة العمال التي اكتشوفوها مؤخرا بوادي الجرف طالع المقالة من صحيفة سعودية
النقد:
لاقت هذه النظرية التقليدية نقدا لاذعا مؤخرا، في العقود الأخيرة من قبل الباحثين و العلماء:
* تتنافى هذه النظرية مع المنطق فكيف تمكن المصريون منذ ثلاثة آلاف سنة بلا آلات و لا تكنولوجيا أن يقطعوا الحجارة بدقة الليزر، ثم ينقلوها من اسوان الى الجيزة! لعشرات الكيلومترات.* لو كان الغرض من بناء الأهرامات تمجيد القبور لهدمها الصحابة و الفاتحون رضي الله عنهم لأن قد ثبت النهي الشديد عن تشييد القبور و البناء عليها.
* من اقوى النقد أين مساكن الفراعنة لما كانوا يتولون حكم مصر؟
كما هناك نظرية فلكية اثيرت على الساحة تمخضت عن دراسة قام بها باحث انجليزي يدعى روبرت بوفال منذ الثمانينيات، مفادها مقارنة موقع اهرامات الجيزة الثلاثة مع حزام اريون في السماء، فقام بتحديد الموقع عبر الكمبيوتر عبر برنامج skyglob (في التسعينيات).. و الله أعلم.
نظرية الطين المطهو:
ثم إنه قد راجت مؤخرا نظرية تسخين الطين محليا في أفران و استشهدوا بالآية الكريمة أعلاه ،حيث أن اللبن أو حجارة الهرم قد تم إيقادها أو صنعها في مكان الهرم من مواد سائلة كالطين و هذا بإيقادها فوق النار ثم وضعت في قوالب خاصة لترفع أخيرا بسهولة إلى مكانها بدقة ‼
كما جاء في الآية (فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعلي صرحا) .ولقد ذهب إلى هذا التفسير الكثير من العلماء المصريين وحتى الأوروبيين المعاصرين .
و لكن قد ثبت بالتحليل المغناطيسي ان جزء من الاهرامات قد بنى فعلا بحجارة مصنوعة، و البعض الآخر طبيعي.
كان المصريون يضعون موتى ملوكهم بواد الملوك جنوب مصر، و ليس في الأهرامات.
نظرية الحضارة المفقودة
و هي أقوى الفرضيات التي أرجحها و رجحها الكثير من العلماء المعاصرين لمزيد من التفاصيل و الأدلة تفضل بمطالعة كتابي من الرابط التالي:
و الصلاة و السلام على محمد اشرف المرسلين.
مع تحيات الناشر.
المصادر :
_ الحضارة المصرية من عصور ما قبل التاريخ حتى نهاية الدولة القديمة لسيريل ألدريد ،ترجمة مختار السويفي (الدار المصرية اللبنانية) 1412/1992 ، المكتبة الوطنية الجزائرية.
_ ويكيبيديا.
_أبحاث الدكتور زاهي حواس (مصر).
_من مؤلفات الأستاذ سمير عطا 1996.