إن الزائر للمدن الأندلسية اليوم “اسبانيا” لتدمع عيناه حسرة على فردوس المسلمين المفقود: قصة الاندلس ، و لاتزال المعالم الإسلامية من جامعات و مساجد و آثار مثل “قصر الحمراء”شاهدة على عظمة ازدهار الحضارة الإسلامية خلال القرون الأربعة الأولى لتاريخ المسلمين، القرون الوسطى كما يسميها الغرب .
دام الحكم الإسلامي بالجزيرة الأيبيرية حوالي ثماني قرون من سنة 92 ه الى غاية 897 ه /1492 م مع سقوط آخر مدينة للمسلمين غرناطة جنوبا.
لشراء كتابي تاريخ المسلمين بين المجد و الانحطاط
إن تاريخ الأندلس يعد حلقه من تاريخ المسلمين المتأرجح بين القوه و الضعف ، فبعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه و سلم انتشر الإسلام في اقل من قرن من الجزيرة العربية الى بلاد السند (الصين ) و الهند شرقا و الى الأندلس و جنوب فرنسا غربا و هذا بفضل الله أولا ثم بحملات الفاتحين المسلمين الحاملين بحق رسالة محمد (عليه الصلاة و السلام) ؛ الكتاب و السنة من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم الى ولاة الدولة الأموية و من بعدهم.
قبل الخوض في موضوعنا ، تجدر الإشارة إلى سنة كونية أو صفة تلحق بالزعماء و العظماء ، ألا و هي البراعة و الظهور في السياسة و العسكرية لبعضهم و البعض الآخر في العلم .لا شك أن الأكمل هو جمع القائد بين فنون السياسة و العلم كما حدث عند الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، و للأسف قليل جدا من جمع بين هذين المجالين من بعد زمن السلف الصالح.
فإما البروز في العسكرية و السياسة كما هو اكثر الخلفاء على غرار هارون الرشيد و الخلفاء العثمانيين الأقوياء كمحمد الفاتح و غيرهم، و إما البروز في العلم و الفكر كما هو الحال في أحفاد هارون الرشيد (الخلافة العباسية): المأمون و غيره الذين أسسوا بيت الحكمة في بغداد (اعظم مكتبة في زمانهم، مع تحفظي على بعض انحرافاتهم المذهبية) ، و هذه مواهب يرزقها الله و يختص بها من يشاء من عباده .وهنا ظهر مفهوم التخصص حديثا.
الفتح :
و نبدأ بحكاية الفتح ، فبعد فتح المغرب الإسلامي على يد القادة عقبة بن نافع الذي أسس العاصمة القيروان سنة 50 ه بتونس، ثم أبو المهاجر دينار أول فاتح للمغرب الأوسط “الجزائر” الذي بنى اول مسجد له بمدينة ميلة حاليا ،و موسى بن نصير و غيرهم رضي الله عنهم
و بعد مشورة موسى بن نصير (والي المغرب) من طرف طارق ين زياد(يقال انه من البربر) لفتح الجزيرة الأيبيرية سنة 92 ه /711 م ،سمح له موسى بن نصير بعد مشورته للخليفة الأموي بشرط ارسال فرقة استطلاعية بقيادة طريف لجزيرة طريفة ليكشف عن مواقع و أحوال العدو .
و الغريب أن حاكم سبتة “يوليان”من القوط (الإسبان) سهل لطارق بن زياد الفتح و أرسل له السفن لحمل الجنود ّ، لماذا فعل ذلك؟ لأنه كان في خلاف مع ملك اسبانيا بسبب ابنته(ابنة يوليان) و هذا يدل على مدى الضعف و الإنحلال الأخلاقي للإسبان و نصارى أوروبا في ذلك العصر. و بعد معركة وادي لكه يوم 28 رمضان 92 ه/711 م تم النصر و الحمد لله على يد الفاتح طارق بن زياد رغم الفارق الكبير في العدة و العدد بينه و بين ملك النصارى ، يقول عز و جل (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) “البقرة 249” .
شاهد الفيديو
العصر الأموي
و بعد هذا الفتح مرت الأندلس كغيرها من الولايات الإسلامية بفترات ضعف و قوه ، و نمر باختصار الى أعظم فترة ازدهار الدولة “الحكم الأموي ” بعد سقوط الدولة الأموية بدمشق هاجر آخر الولاة الأمويين عبد الرحمان الداخل الى الأندلس و أسس بها دولة قوية عاصمتها قرطبة.
و سار على نهجه أحفاده من بعده، أبرزهم عبد الرحمان الثالث الذي وحد البلاد اثناء القرن الرابع الهجري في الزمن الذي كان يعيش فيه المشرق العربي خلافات و ركود تحت الخلافة العباسية مع ظهور الشيعة ، قام عبد الرحمان الثالث بصد هجمات النصارى شمالا بعد ان أخمد الفتنة الداخلية. فشهدت فترة حكمه ازدهارا كبيرا مع بناء مدينة الزهراء و اهتمامه بالعلم و العلماء المتنورين بالعلوم الدينية و حتى الدنيوية.
حيث صارت قرطبة من عواصم العالم آنذاك. حتى أن الكثير من علماء الغرب اليوم يشهد بتأثر الحضارة الغربية بإرث العلماء المسلمين بالأندلس و بغداد و غيرها من العواصم(شهد شاهد من أهلها)، ومن علماء الغرب هؤلاء نذكر غرودي الذي أسلم و الألمانية هنري هنكل مؤلفة كتاب “شمس العرب تسطع على الغرب”و غيرهم.
الضعف وملوك الطوائف
و هكذا دام الحكم الأموي بالأندلس لقرون ، و بعدها أخذت مظاهر الترف و الإسراف في الملذات من أموال و نساء تضعف كيان الدولة مع الزمن الى أن انهارت الدولة و ظهور ما يسمى بدويلات الطوائف المختلفة في ما بينها حيث صار لكل مدينة خليفة‼
و هذا لعدة أسباب سنشرحها لاحقا ، و كان ذلك مع بداية القرن الخامس الهجري حيث أخذت المدن الأندلسية تسقط بيد النصارى ،من طليطلة و غيرها شمالا. و كاد الأندلس يسقط كله لولا أن الله سخرعبده قائد دولة المرابطين القوية بالمغرب” يوسف بن تاشفين” الذي وضع حد لهجمات النصارى بعد انتصاره على ملكهم ألفونسو السادس المغرور في معركة الزلاقة الشهيرة سنة 479 ه ، و أخر بذلك سقوط الأندلس لأربعة قرون اخرى.”و ما يعلم جنود ربك الا هو”.
و استقر الوضع مع حكم المرابطين حوالى قرن ثم ما لبث أن عاد الانقسام و الضعف الى الدولة الى سقوط آخر معاقل المسلمين بالجزيرة الأيبيرية “غرناطة” بيد ملك الإسبان فرناندو و الملكة إيزابيلا الأولى سنة 897 ه 1492 م بمعاهدة مع أمير غرناطة من بني الأحمر ، حيث حدثته أمه : ابكي كبكاء النساء ،ملكا لم تحافظ عليه‼.وتم إجلاء معظم مسلمي الأندلس “المورسكيين” الى سواحل المغرب العربي .و هذا بعد حوالى ثلاثين سنة من دخول السلطان العثماني محمد القسطنطينية 857 ه.
دور الدولة العثمانية في حماية المغرب الإسلامي
إنه من رحمة الله بالملة الإسلامية و أقداره أثناء زمن سقوط الأندلس أن قام شعب آخر غير العرب بحمل راية الخلافة الإسلامية، انهم الأتراك العثمانيون الذين تحالفوا مع العرب منذ معركة “تالاس” ضد المغول ، ثم انشأوا دولة اسلامية قوية عاصمتها اسطنبول كما بشر بها الرسول (ص) دامت الى غاية القرن الرابع عشر ه /العشرين الميلادي. فمع سقوط آخر مدينة للمسلمين بجنوب الأندلس “غرناطة” بيد الإسبان سنة 897 ه خضع مسلمو الأندلس للظلم و التهجير تحت محاكم التفتيش للنصارى ،بل حاول الإسبان تحت ملكتهم إيزابيلا احتلال بلاد المغرب أيضا‼ الضعيفة آنذاك.
لولا ان الله سخر الدولة العثمانية التي انجدت سواحل المغرب بحملات الأخوين خير الدين بربروسا و أخيه . حيث صدوا حملات الإسبان و أجلوا ما بقي من مسلمي الجزيرة الخضراء “الأندلس” الى المغرب الإسلامي عبر سفنهم. و نشير هنا الى اسهام المورسكيين في بناء عدة مدن بالمغرب العربي بعد اجلائهم من الاندلس ،نذكر تأسيسهم لمدينة و هران في القرن العاشر هجري (ثاني اكبرمدن الجزائر). و أسس بربروسا دولة بالجزائر تابعة للباب العالي (اسطنبول) ، من عواصمها بجاية و هذا بعد معركة “بروزا” البحرية الشهيرة التي هزم فيها اسطول النصارى 600 سفينة في بعض الروايات، و هو يملك 140 سفينة ‼و أصبح بذلك حوض البحر الأبيض المتوسط الغربي خاضع لداي الجزائر لقرون.
فالحمد الله الذي سخر الدولة العثمانية التي حمت مصير المغرب من الاحتلال . ورد في حديث صحيح للنبي (ص) أنه دعا الله أن لا يسلط على المسلمين من بعده أعداءهم من الكفار ، و أن لا يعذبهم بالطوفان و نحوه فاستجاب له ربه و دعا الله أن لا يختصموا فيما بينهم فلم يستجب له الله لهذه الأخيرة.
أسباب السقوط و طرق النهوض:
ويسأل السائل الآن ما السبب في سقوط الأندلس بعدما كان في عز و قمه الحضارة ، إن من سنن الله الكونيه في عباده منذ القدم و الى قيام الساعة كما جاء في كتابه الكريم “و لن تجد لسنة الله تبديلا”. أن الحضارة تزدهر إذا سار أهلها على أسباب النصر و التمكين ألا وهي العلم و العمل . و متى تخلفت الحضارة عن هذه الأسباب و مالت للترف و الإسراف في الملذات كان مصيرها الهلاك.
لمعرفة أهم أسباب سقوط الأندلس اضغط هنا
هذا و الله أعلم.
الخاتمة :
إن تاريخ الأندلس محطة من محطات التاريخ الإسلامي و الإنساني، يستخلص منها اللبيب العبر و أسباب النصر و التمكين فيأخذ بها و يجتنب كل عوامل الوهن و الانحطاط .
و حاضر بعض مجتمعاتنا الإسلامية اليوم شبيه بتاريخ الأندلس من خلافات مذهبية و سياسية ، باستثناء بعض الدول.
قال الله تعالى :(تلك أمة قد خلت لها ماكسبت و لكم ما كسبتم و لا تسؤلون عما كانوا يعملون) “البقرة”، حسبنا من دراسة التاريخ أخذ العبر بلا تعمق كبير. فهل نعتبر بما حدث لإخواننا بالأندلس و نتوحد و نعود الى رشدنا(و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا) “آل عمران”، نسأل الله ان يهدينا شعوبا و حكاما الى صراطه القويم و السلام على رسول الله.
المراجع:
– من محاضرات المؤرخ يوسف الدعيج “تاريخ المغرب و الأندلس”.
-موقع ويكيبيديا.
و الحمد لله.
مقدمة ان تفسير بناء أهرامات مصر لغرض قبر الملك التي روج لها منذ قرون طالها الشك الآن بعد الاكتشافات الأخيرة ، فهل يعقل أن يبني المصريون هذه الصروح الضخمة بعد جهد مضني لمجرد مقبرة! يسود غموض كبير حول الهدف من بناء الأهرامات، يعتقد البعض انها قبر للملك كرأي عالم الآثار مارك لينر و زاهي حواس. و هو…
حل معضلة أصل الإنسان بين القرآن (خلق آدم) و بين العلم. اختلاف بارز بين العلماء و هل وجد مخلوق عاقل عاش على الأرض قبل أدم عليه السلام أي قبل البشر الحاليون؟
يسعدني تقديم لك باقة من كتبي التاريخية من افضل المتاجر لشراء كتبي pdf كتاب “الحضارة المفقودة و بناء أهرامات مصر” كتاب الكتروني هادف ومميز، يبحث في حل بعض ألغاز الحضارة المصرية القديمة التي أرقت علماء الاثار منذ عقودـ لا سيما مسألة ما العمر الحقيقي لأهرامات مصر؟ و أي تقنية استخدمها بناة الأهرامات؟ و الأعظم من ذلك لماذا بنيت؟…