صراع الحضارات بين الفكر الغربي والمنظور الإسلامي
صراع الحضارات Clash of Civilisations
يخطأ عالم المستقبليات “هنتجتون” في اطروحته المدرجة في كتابه صراع الحضارات ان الحضارة الغربية هي النموذج المثالي في نهاية التاريخ! و مايشهده الغرب منذ عقود من تراجع اقتصادي و اخلاقي خير دليل على خطأ اطروحته .
مفهوم صراع الحضارات
مفهوم “صراع الحضارات” هو فرضية طرحها عالم الاجتماع و المستقبليات صامويل هنتنجتون في عام 1993. يزعم بأن الهويات الثقافية والدينية هي السبب الرئيسي للصراع في العالم بعد الحرب الباردة.
حيث أن الصراعات المستقبلية لن تكون بين الدول، بل ستكون بين ثقافات مختلفة تسعى لزعامة العالم والهيمنة.
نبذة عن صراع الحضارات
لقد عرف التاريخ حضارات كثيرة منذ آلاف السنين. بعضها زالت و اندثرت و لم يبقى منها إلا ما أرخه المؤرخون في كتبهم عن احداثها (كالحضارة المصرية القديمة). إلا
حضارتين او ثلاث مازالت باقية مظاهرها الى اليوم .
أقصد الحضارة الإسلامية والحضارة اللاتينية أو الغربية في أوروبا و أمريكا الشمالية، و حضارة الصين و ما جاورها.
فأي من هذه الحضارات الثلاث أصلح لقيادة العالم في ما بعد الحداثة و العولمة؟ و هل يمكن ان يتخذ صراع الحضارات طابع التعايش السلمي و التكامل؟
هذا ما سأحاول الإجابة عنه إن شاء الله في هذا المقال.
اعرف الحقيقة الكاملة: قصة الأندلس..
وأعالج الان بعض مظاهر الصراع التاريخي منذ فجر الإسلام و الى قيام الساعة.
بين أبرز حضارات الإنسانية: حضارة الإسلام و الحضارة الغربية المعاصرة. و انعكاس هذا الصراع على مستقبل العالم الاسلامي.
كتاب صراع الحضارات صامويل هنتنجتون
لقد تم تأليف عدت كتب حول هذا الموضوع من طرف مؤلفين مسلمين و غربيين من اشهرهم هنتنجتون عام 1993. الذي أثار جدل واسع بين المثقفين الى اليوم بمؤلفه: صراع الحضارات THE CLASH OF CIVILISATIONS. و الفرنسي بروديل الذي قسم الحضارات البارزة تاريخيا الحضارة الغربية أو الاتينية و حضارة العرب و المسلمين.
ولكن الذي يجهله الكثير انه قد سبقه المفكر المغربي المهدي المنجرة( رحمه الله): في كتاب الحرب الحضارية الأولى.

اشتري كتاب تاريخ المسلمين بين المجد و الإنحطاط pdf
هذا الموضوع الذي أثار اهتمام المفكرين وقد أثر أيضًا على المجتمع بشكل عام. وليس دائمًا ما يتسم بالصراع والخلاف، بل في العديد من الفترات يظهر التعايش والتفاعل الإيجابي.
يرجع اسباب الصدام و العنف الى مفاهيم بعض الأشخاص الجاهلين المنتمين الى الإسلام أو حتى المسيحية او غيرها .
أما أصل قيم الحضارات فهو السلام و التعايش، و خير دليل على ذلك هو تسامح الخلافة الإسلامية مع الأقليات المسيحية و اليهودية المقيمة بدار الإسلام عبر التاريخ. لا ما روجه معظم المستشرقين قديما من اتهام الاسلام و المسلمين بالعنف و التطرف. و الآن تحول الإستشراق إلى الإسلاموفوبيا في الغرب.
صراع الحضارات في المفهوم الاسلامي
مفهوم الحضارة
و يسود خلاف بين المفكرين حول تعريف الحضارة هل تعد بحجم الانجازات العلمية و المادية (كما هي السمة البارزة لحضارة الغرب اليوم) أم هي مجموعة من القيم الفكرية و الدينية المتراوثة عبر التاريخ؟
إذا كان الجواب هو حجم الانجازات العلمية و المادية فحسب فلماذا اندثرت أقوى الحضارات المادية عبر التاريخ كالحضارة الفرعونية بمصر و الحضارة الرومانية و الفارسية أمام فئة قليلة العدة و العدد من المسلمين !
الحق أن العلم و الامكانيات المادية سلاح ذو حدين. قال الله تعالى (فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم و حاق بهم ما كانوا به يستهزؤن) “غافر :83” .
ما نستخلصه من تجارب التاريخ يقربنا من تعريف الحضارة الشامل. و هو مجموعة من القيم الفكرية الدينية و الاجتماعية بالأساس. مضاف إليها المنجزات المادية المبنية على العلم و العمل و الاخلاق.
و هي لا تزل بزوال الرجال و لكن التاريخ انصف الكثير من العظماء الذين أسسوا هذه القيم الحضارية و تركوها مستمرة في اقوامهم بعدهم،
و اعظمهم على الاطلاق محمد ﷺ مؤسس الحضارة الاسلامية بفضل الله ، بل هادي البشرية جمعاء عربهم و عجمهم إلى سعادة الدنيا و الاخرة. ثم من سار على سنته إلى يوم الدين.
قبل أن نلج بحثنا لابأس أن اعرض آخر احصائيات سنة 2016 قام بها معهد “بيو”الأمريكي ان نسبة المسلمين بأوروربا هي حوالي 4.9% من مجموع السكان ، تتقدمها البوسنة و الهرسك و ألبانيا (50%) ثم روسيا ، ثم فرنسا 8.8% و المملكة المتحدة ثم إيطاليا ،وأخيرا اسبانيا 2.6 % و إيرلندا.أما في أمريكا فنسبة المسلمين عام 2015 هو 1% و سيتضاعف عددهم عام 2050.
أي أن الاسلام هو الدين الثاني في العالم.
(هذه الاحصائيات احتمالية و ممكن أن تكون نسبة المسلمين في الدول الغربية أكثر من المعلن عنها).
نبذة عن أبرز مميزات الحضارة الاسلامية و الغربية و انجازاتهما الحضارية
أ _ الحضارة الاسلامية:
لقد بلغت دولة الاسلام أوج قوتها أثناء قرنها الأول (من 1 ه الى 100 ه_730 م ) حيث وصلت مساحتها من بلاد السند شرقا إلى الأندلس غربا. ثم واصل خلفاء الدولة الأموية و العباسية الفتوحات الاسلامية و رسالة الاسلام خلال القرن الثاني و الثالث.
و لكن بعدها تأرجحت الحضارة الاسلامية بين القوة و الضعف لتصل إلى ما نحن عليه اليوم من انحصار حضاري إلا في بعض الدول و بعض فئات النخبة من المجتمعات الاسلامية.
عناصر القوة :
و تكمن عناصر قوة الحضارة الاسلامية في :
- علاقتها بالله و عقيدة التوحيد الصافية التي جاءنا بها محمد عليه السلام التي هذبت النفس البشرية روحيا و خلصتها من الخرافات و العبودية لغير الله .
- اجتماعيا ؛ بتكوين مجتمع تربطه روابط متينة يسودها الاعتدال بين الافراط و التفريط و منظمة أسريا و مجتمعيا بتشريع سماوي متكامل.
- سياسيا : بإلغاء حكم التجبر و الفرعونية و الاستبداد الفردي و استبداله بنظام الشورى و العدل.
- اقتصاديا : ترك الاسلام حرية الابداع و الاقتصاد و الاكتشاف في العلوم الكونية. على عكس نظام الكنيسة الرهباني الضيق الذي عرقل المسيرة الفكرية للانسان.
و إنما هذب الاسلام الثراء الفاحش بالزكاة و حرم الربا و بعض المخالفات التي جاوزت حدودها بضررها البالغ على الاقتصاد و المجتمع.
عناصر الضعف :
ارجوا الانتباه ان عناصر الضعف منسوبة إلى بعض ممارسات المسلمين الخاطئة و لا ننسبها إلى الاسلام المنزه أبدا.
- من اهم عناصر ضعف المسلمين و خاصة منذ القرن الرابع الهجري ، هو اختلافهم المذهبي و الطائفي (الذي شرحناه سابقا)
- ركودهم العلمي و العملي مع ظهور التصوف خاصة في اواخر مراحل ضعف الدولة العثمانية ، و اتساع الهوة العلمية بينهم و بين الغرب.
- تعرض الدولة الاسلامية إلى المخططات الخارجية لزعزعة استقرارها خاصة من طرف المنظمات اليهودية الماسونية ، و الحملات النصرانية.
ب_ الحضارة الغربية :
عناصر القوة :
_ انفتاح اوروبا على العلوم التجريبية الكونية ، بعد تخلصها من جمود و ركود الكنيسة بعد الثورة الصناعية الحديثة._سيطرتها على معظم دواليب الاقتصاد و التجارة العالمية عبر منظماتها و بنوكها الدولية ، و تحكمها في الكثير من الاتجاهات السياسية و العسكرية العالمية بتفوقها التكنولوجي و المادي.
عناصر الضعف :
- الفراغ الروحي الذي تعاني منه فئات واسعة من المجتمعات الغربية نتيجة إلغاءها للدين السماوي او انحصاره في تعاليم ضعيفة من بقايا النصرانية.
- الفساد الأخلاقي و استبداد و احتكار أصحاب الأموال و الشركات الرأسمالية الكبرى على فئات المجتمع الأخرى .تجدر الإشارة هنا أن أقرب قوم إلى المسلمين من بين جميع أمم الأرض هم النصارى بشهادة القرآن الكريم ؛ قال الله عز و جل ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود و الذين أشركوا و لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين و رهبان و هم لا يستكبرون) “المائدة :82”.
- أي ان من النصارى من يذعن و يسلم للحق بسهولة لعاطفتهم الحية ، كما نزلت هذه الآية في قوم من الحبشة (نصارى) قدموا إلى رسول الله عليه السلام و أسلموا.
- شهد القرن الواحد و العشرون عكس القرن العشرين تحول من الكفر بالله و اقصاء الأديان السماوية الى الايمان بالله. حيث صار 90 % من العلماء في الغرب يؤمنون بوجود الله رغم ان اكثرهم لم يسلم صراحة و لم يتبع محمد عليه الصلاة و السلام ( آمنوا علميا فقط). و 10 % غير مؤمنين. اما الفلاسفة و الأدباء 65 % يعلمون بوجود الله.كما صدر كتاب احدث ضجة كبيرة للكاتب الفرنسي ميشيل جيغو بعنوان : الله ، العلم، البراهين.المصدر : صحيفة لوفيغارو.
الدين بين العاطفة و العقل
إن من يلاحظ بتبصر حال الشعوب الإسلامية اليوم يجد ان العاطفة (الدينية أو القومية) هي الصفة البارزة التي تحركها ، و يتجلى ذلك في المسيرات المؤيدة للقضية الفلسطينية كمثال حي ،و هذا لأكثر من نصف قرن . و لكن هل وصلت هذه العواطف و هذه المسيرات إلى المبتغى ؟إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي مازج بين الروح و العقل في وسطية و اعتدال فهذب العاطفة بالعقل و ألجم غرور العقل بالإيمان. حيث أن معظم آيات العقيدة مصدرها النقل و ليس العقل أما الأحكام فترك مجال للعقل للاجتهاد فيها.
يوضح عالم الإجتماع الكبير مالك بن نبي رحمه الله : ان مهد الحضارة يبدأ بالعاطفة و التجرد من قيود الشهوات الدنيئة ، ثم تصل إلى قمتها و هي مرحل العقلانية و العلم ثم يبدأ أفولها عندما تغتر بعلمها فتنهار. و التاريخ شاهد على ذلك.

خريطة حضارات العالم
الخاتمة:
شهد شاهد من أهلها، حيث يرى غارودي ان الإسلام هو الأصلح لإخراج البشرية اليوم من ورطتها عبر جمعه بين الايمان و العلم ، و عبر إصلاحاته الأخلاقية و الاجتماعية و الإقتصادية…
و لا أتعصب للحضارة الإسلامية لكوني مسلم. و إنما الحقائق و المبشرات الإسلامية تجعلنا على يقين ان مستقبل الإنسانية هو للحضارة الأصلح التي تملك عناصر استمرارها و هي حضارة الإسلام. في ظل التعايش و التبادل المنفعي مع الحضارات الأخرى خاصة حضارة الغرب.
هذا و إن أصبت فالحمد لله و إن أخطئت فمن الشيطان اللعين.
و سأسعد بمساهمات و النقد البناء من غيري بالأدلة السليمة.
المصادر:
- القرآن الكريم.
- السنة الصحيحة.
- من محاضرات الدكتور طارق السويدان.
- من مؤلفات غارودي.
- لماذا تأخر المسلمون و لماذا تقدم غيرهم؟ شكيب أرسلان.