هل تتراجع العولمة؟ تحولات جذرية تهز الاقتصاد العالمي
مقدمة
يوم 3 افريل 2025 فرض الرئيس الأمريكي ترامب حزمة من الرسوم الجمركية بنسبة من 10% الى اكثر من 30% على كل دول العالم على السلع الواردة الى امريكا!
لتبدأ مع قراراته البلطجية نهاية عصر العولمة و حرية التجارة العالمية التي استمرت ل70 عام. و تظهر معالم نظام عالمي جديد متعدد الأطراف.

تراجع العولمة
رغم أن العولمة لازالت سائدة الى اليوم في عالمنا إلا انها تتراجع إثر تلقيها ضربة في أزمة وباء كوفيد 19،ثم أزمة سلاسل التوريد و التضخم نتيجة القضية الاكرانية و الصراعات الجيوسياسية.
فانكشفت عوراتها و نقاط ضعفها مما حفز دول العالم الصاعدة الى الاتجاه نحو الإنتاج المحلي، وهذا غير ممكن في جميع السلع و لكن التقليل قدر الامكان من الاعتماد على الخارج. طالع أيضا تحولات يشهدها النظام العالمي الجديد
منذ نهاية القرن الماضي 1990 و إثر انهيار الاتحاد السوفياتي تبلور بوضوح نظام أحادي الأقطاب بقيادة و هيمنة الو م أ. لتتخذ العولمة شعار لها بأدواتها كالدولار و مؤسساتها كالبنك الدولي و مجلس الأمن.
ثم نرى الان عودة إلى العالم متعدد الأقطاب و تراجع العولمة مع الهبوط الناعم للحضارة الغربية.

مقاومة النظام الليبرالي للعولمة
في سياق الحملة الانتخابية الأمريكية 05 نوفمبر 2024 صرح المرشح الجمهوري ترامب بضرورة العودة إلى الصناعات التقليدية مثل الميكانيكية بدل السيارات الكهربائية التي تهيمن عليها الصين الآن.
و دعم شركات الوقود الأحفوري! ضاربة عرض الحائط مخرجات قمة باريس للمناخ، كما لاتخفي سياسة الجمهوريين مقاومتها للعملات الرقمية و مظاهر العولمة التي تتنافى مع سياساتها.
سياسات كلها تصب في صالح الطبقة الرأسمالية المتوحشة و تعميق الهوة بينها و الطبقة المتوسطة و الفقيرة. سواءا داخليا أو في العالم.
في القرن العشرين تبلور نظامين بارزين في العالم:
- نظام الدولة القطرية الوطنية ، المنغلقة على نفسها ، معظم استراتيجيات حكامها مصوب نحو الداخل و خصوصيته، على غرار روسيا و كوريا الشمالية و الصين سابقا.
- النظام اليبرالي الديمقراطي.
عيوب و محاسن العولمة
نبدأ بعيوبها:
سياسيا
بالموازاة مع ذلك اختارت الدول الغربية بزعامة الو م أ شعارات العولمة البراقة على غرار الديمقراطية و الحريات و حقوق الانسان.
فهل حقا العولمة بهذا الوجه الجذاب؟
لا شك ان سياسة الكيل بمكيالين تجاه الشعوب الضعيفة و المظلومة على غرار الشعب الفلسطيني التي احتلت أراضيه غصبا تناقض تماما شعارات الديمقراطية الغربية.
اقتصاديا
أما اقتصاديا احتكرت فئة من الدول الغنية في الغرب التكنولوجيا و معظم ثروات العالم الطبيعية و حتى جلب علماء و كوادر العالم الثالث) ، و ذلك عبر مؤسساتها المالية كصندوق النقد الدولي الذي يفرض شروط مهددة للاستقرار الاجتماعي للدول الضعيفة عبر قروضه الربوية(الفائدة المرتفعة) التي تضخم المديونية. في حين لا تزال نسبة كبيرة من مجتمعات العالم الثالث رهينة مثلث الفقر و المرض و الجهل .
ثقافيا
مسألة الخصوصية
و قد اختلف المفكرون في رؤيتهم للعولمة. فزعماء الدولة الوطنية يرون في العولمة تهديد مباشر لخصوصية أوطانهم و هيمنة الثقافة الغربية على حساب الثقافات المحلية.كما حذر الخبراء من خروقات خصوصية الأفراد و المؤسسات مع الانتشار الواسع الأنترنت.
ايجابياتها:
و بالمقابل يرى اخرون انها ترويج لعالم افضل مع تطور الرقمنة ووسائل التواصل التي حولت العالم إلى قرية صغيرة.
_فعلى الصعيد الاقتصادي على سبيل المثال للعملات الرقمية ميزات تساعد الطبقات المتوسطة كرسومها المنخفضة بالمقارنة مع البنوك و العملات النقدية، و سهولة التحويلات بين المحافظ الإلكترونية. و لكن يسودها غموض كبير حتى ان بعضها مشبوهة بعلاقتها بغسيل الأموال و القمار و المعاملات المحرمة في الإسلام، خصوصا عند ارتفاع قيمتها بشكل جنوني.
و لست بصدد الفتوى الشرعية و لكن يجب التفريق بين العملات الحلال و المحرمة بالرجوع لأهل العلم.
_على الصعيد الاعلامي و الثقافي تتيح الأنترنت التي هي من نتاج العولمة امكانية الحصول على المعلومة و مشاركة البيانات العلمية من أي مكان في العالم. بخلاف الأنظمة السابقة التي تحتكر الحقائق و المعلومات الحساسة.
التحول نحو نظام عالمي جديد
و قد كشفت التطورات الأخيرة بين روسيا و الغرب الرغبة العالمية نحو نظام متعدد الأقطاب، خصوصا اقتصاديا بالاستغناء التدريجي عن الدولار و تعويضه بالعملات المحلية أو الرقمية المنخفضة الرسوم.و ظهر ذلك جليا في اجتماعات منظمة البريكس BRICS، و مخرجاتها.
موقف الإسلام من العولمة
في الحقيقة كل من نظرية القومية الوطنية و ديمقراطية العولمة فكر مستورد و غريب عن الإسلام ، لكن وسطية الإسلام تجمع بين خصوصية الأوطان مع عالمية الدعوة.
أي يحمي خصوصية الشعوب مع إنفتاحه على محاسن الحضارات و الثقافات الأخرى ( التي لا تتنافى طبعا مع أصول الإسلام).
وإذا عدنا إلى سياق التاريخ ، ففي أيام ازدهار الخلافة الإسلامية رغم اتساع رقعة الخلافة حافظت على خصوصية الشعوب و هويتها ،على رأسها الإسلام و اللغة الخ. قال الله تعالى : (و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم )”الحجرات” .و لم تذوب ثقافة و خصوصية الشعوب كما فعلت العولمة.
الخاتمة
رغم أن بداية العولمة في نسختها الأولية روجت للثقافة الأمريكية في العالم على حساب الثقافات المحلية، و لكن العولمة ليست شرا محض، و ها نحن نرى نسخة جديدة للعولمة في فترة تحولات كبرى تصب في النهاية لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب و الثقافات و ان كان لم تتبلور معالمه بعد.
فيمكن للشعوب الإسلامية الاستفادة من ميزات العولمة الإيجابية مع الحفاظ طبعا على الهوية الإسلامية الخالدة.
و بالله التوفيق.